فصل: السنة السادسة من سلطنة المنصور قلاوون

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **


 السنة السادسة من سلطنة المنصور قلاوون

وهي سنة ثلاث وثمانين وستمائة‏.‏

فيها توفي قاضي القضاة ناصر الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن منصور الجذامي المالكي المعروف بابن المنير قاضي الإسكندرية مولده في ذي القعدة سنة عشرين وستمائة ومات بالإسكندرية ليلة الخميس مستهل شهر ربيع الأول ودفن عند تربة والده عند الجامع المغربي وكان إمامًا فاضلًا متبحرًا في العلوم وله اليد الطولى في علم الأدب والنظم والنثر‏.‏

ومن شعره ما كتبه لقاضي القضاة شمس الدين ابن خلكان في صدر كتاب‏:‏ الخفيف ليس شمس الضحا كأوصاف شمس الد - - ين قاضي القضاة حاشا وكلا تلك مهما علت محلا ثنت ظلًا وهذا مهما علا مد ظلا وله يهجو القاضي زين الدين بن أبي الفرج لما نازعه في الحكم‏:‏ الخفيف قل لمن يدعي المناصب بالجه - - ل تنح عنها لمن هو أعلم وله في صدر كتاب كتبه إلى الفائزي يسأله رفع التصقيع عن ثغر الإسكندرية‏:‏ الوافر إذا اعتل الزمان فمنك يرجو بنو الأيام عاقبة الشفاء وإن ينزل بساحتهم قضاء فأنت اللطف في ذاك القضاء وفيها توفي ملك التتار أحمد بن هولاكو قان بن تولي قان بن جنكزخان كان ملكًا شهمًا خبيرًا بأمور الرعية سالكًا أحسن المسالك أسلم وحسن إسلامه وبنى بممالكه الجوامع والمساجد وكان متبعًا دين الإسلام لا يصدر عنه إلا ما يوافق الشريعة وكان لما حسن إسلامه صالح السلطان الملك المنصور قلاوون وفرح السلطان بذلك فمات أحمد بعد مدة يسيرة وملك بعده أرغون بن أبغا‏.‏

وفيها توفي القاضي نجم الدين أبو محمد عبد الرحيم بن إبراهيم بن هبة الله بن المسلم بن هبة الله بن حسان بن محمد بن منصور بن أحمد الجهني الشافعي المعروف بابن البارزي ولد بحماة سنة ثمان وستمائة وروى الحديث وبرع في الفقه والحديث والنحو والأدب والكلام والحكمة وصنف في كثير من العلوم وتولى القضاء بحماة نيابة عن والده ثم استقل بعده ولم يأخذ على القضاء رزقًا وصرف قبل موته بسنين‏.‏

ومن شعره تضمينًا لأول قصيدة البهاء زهير البائية‏:‏ الطويل وناديت أهلًا بالحبيب ولم أقل رسول الرضا أهلًا وسهلًا ومرحبًا وفيها توفي الأمير شرف الدين عيسى بن مهنا أمير آل فضل وملك العرب في وقته وكان له منزلة عظيمة عند الملوك لاسيما عند الملك الظاهر بيبرس البندقداري ثم تضاعفت عند الملك المنصور قلاوون وكان كريم الأخلاق حسن الجوار مكفوف الشر مبذول الخير لم يكن في العرب وملوكها من يضاهيه وكان عنده ديانة وصدق‏.‏

ولما مات ولى الملك المنصور قلاوون ولده مهنا عوضه وكان بين وفاته ووفاة عدوه الأمير أحمد بن حجي أمير آل مرى دون السنة‏.‏

وفيها توفي الشيخ الإمام شمس الدين أبو عبد الله محمد بن موسى بن النعمان التلمساني سمع الكثير بعدة بلاد وحدث ومولده بتلمسان في سنة ست أو سبع وستمائة ومات بمصر ودفن بالقرافة الكبرى وهو غير شمس الدين محمد بن العفيف التلمساني‏.‏

وفيها توفي الملك المنصور ناصر الدين أبو المعالي محمد ابن الملك المظفر محمود ابن الملك المنصور محمد بن تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب صاحب حماة والمعرة وابن صاحبهما ملكهما بعد وفاة أبيه سنة اثنتين وأربعين وستمائة ووالدته الصاحبة غازية خاتون بنت الملك الكامل محمد صاحب مصر ابن الملك العادل أبي بكر بن أيوب‏.‏

وكان مولده سنة اثنتين وثلاثين وستمائة وولي الملك المنصور قلاوون ابنه بعد وفاته‏.‏

الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي القاضي ناصر الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن منصور الجذامي بن المنير بالإسكندرية في شهر ربيع الآخر وله ثلاث وستون سنة‏.‏

والملك أحمد بن هولاكو ملك التتار‏.‏

وقاضي حماة نجم الدين عبد الرحيم بن إبراهيم بن البارزي الشافعي في ذي القعدة وحمل ودفن بالبقيع وله خمس وسبعون سنة‏.‏

وقاضي دمشق عز الدين أبو المفاخر محمد بن عبد القادر بن عبد الخالق الأنصاري بن الصائع في شهر ربيع الآخر في آخر الكهولية‏.‏

وصاحب حماة الملك المنصور ناصر الدين محمد ابن المظفر محمود عن إحدى وخمسين سنة‏.‏

والشيخ العارف أبو عبد الله محمد بن موسى بن النعمان التلمساني بمصر في رمضان وله سبع وسبعون سنة‏.‏

وملك العرب عيسى بن مهنا في شهر ربيع الأول‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أربع أذرع وعدة أصابع‏.‏

مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا وثلاث أصابع‏.‏

السنة السابعة من سلطنة المنصور قلاوون وهي سنة أربع وثمانين وستمائة‏.‏

فيها كان فتوح المرقب وغيره من القلاع بالساحل حسب ما ذكرناه في أول الترجمة‏.‏

وفيها ولد الملك الناصر محمد بن قلاوون ووالده على حصار المرقب وقد تقدم ذكر ذلك أيضًا‏.‏

وفيها توفي الشيخ زين الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن أحمد الأندلسي الإشبيلي الأصل المعروف بكتاكت المصري الواعظ المقرئ الأديب الشاعر مولده سنة خمس وستمائة وقيل غير ذلك ومات بالقاهرة في شهر ربيع الأول‏.‏

وكان إمامًا في الوعظ ولديه فضيلة ومشاركة‏.‏

وله شعر جيد‏.‏

من ذلك قوله‏:‏ البسيط من أنت محبوبه ماذا يغيره ومن صفوت له ماذا يكدره هيهات عنك ملاح الكون تشغلني والكل أعراض حسن أنت جوهره وله القصيدة المشهورة عند الفقراء التي أولها‏:‏ الكامل حضروا فمذ نظروا جمالك غابوا والكل مذ سمعوا خطابك طابوا وفيها توفي الأمير علاء الدين أيدكين بن عبد الله البندقداري الصالحي النجمي أستاذ الملك الظاهر بيبرس البندقداري كان أصل أيدكين هذا من مماليك الأمير جمال الدين موسى بن يغفور ثم انتقل عنه للملك الصالح نجم الدين أيوب وجعله بندقداره وأمره ثم نكبه وأخذ منه الملك الظاهر بيبرس ثم أعاده‏.‏

ثم ترقى بعد موت أستاذه وولي نيابة الشام من قبل مملوكه الملك الظاهر بيبرس وكان الملك الظاهر بيبرس يعظمه ويقول له‏:‏ أنت أستاذي ويعرف له حق التربية وكان هو أيضًا يبالغ في خدمة الملك الظاهر والنصح له وهو الذي انتزع له دمشق من يد الأمير سنجر الحلبي كما تقدم ذكره‏.‏

وعاش أيدكين إلى دولة الملك المنصور قلاوون وهو من أكابر الأمراء وأعيانهم إلى أن مات في القاهرة في شهر ربيع الآخر ودفن بتربته قريب بركة الفيل وقد ناهز السبعين‏.‏

قلت‏:‏ وما العجب أن أيدكين هذا كان من جملة أمراء مملوكه الملك الظاهر بيبرس والعجب أن أستاذ إيدكين هذا الأمير جمال الدين بن يغمور كان أيضًا من جملة أمراء الظاهر بيبرس فكان الظاهر أستاذ أستاذه في خدمته ومن جملة أمرائه فانظر إلى تقلبات الدهر بالملوك وغيرها‏.‏

وفيها توفي الشيخ الإمام رشيد الدين أبو محمد سعيد بن علي بن سعيد البصراوي الحنفي مدرس الشبلية كان إمامًا عالمًا فاضلًا مدرسًا في الديانة والورع عرض عليه القضاء غير مرة فامتنع وكانت له اليد الطولى في العربية والنظم وكانت وفاته في شعبان ودفن بقاسيون‏.‏

ومن شعره‏:‏ البسيط أرى عناصر طيب العيش أربعة ما زال منها فطيب العيش قد زالا أمنًا وصحة جسم لا يخالطها مغاير والشباب الغض والمالا كيف اعتمدت على الدنيا وتجريبك أراك فلك تراها كيف تجري بك ما زالت الخادعة تدنو فتغري بك حتى رمتك بإبعادك وتغريبك وفيها توفي الأديب البارع مجير الدين أبو عبد الله محمد بن يعقوب بن علي المعروف بابن تميم الشاعر المشهور وهو سبط ابن تميم كان أصله دمشقيًا وانتقل إلى حماة وخدم صاحبها الملك المنصور جنديًا وكان له به اختصاص وكان فاضلًا شجاعًا عاقلًا وكان من الشعراء المعدودين‏.‏

ومن شعره في الشجاعة والإقدام قوله‏:‏ الكامل دعني أخاطر في الحروب بمهجتي إما أموت بها وإما أرزق فسواد عيشي لا أراه أبيضًا إلا إذا احمر السنان الأزرق وله‏:‏ الرجز لم لا أهيم إلى الرياض وزهرها وأقيم منها تحت ظل ضافي والغصن يلقاني بثغر باسم والماء يلقاني بقلب صافي وله‏:‏ الكامل عاينت ورد الروض يلطم خده ويقول وهو على البنفسج محنق لا تقربوه وإن تضوع نشره ما بينكم فهو العدو الأزرق بنفسج الروض تاه عجبًا وقال‏:‏ طيبي للجو ضمخ فأقبل الزهر في احتفال والبان من غيظه تنفخ الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفيت أم الخير ست العرب بنت يحيى بن قيماز الكندية في المحرم‏.‏

والمحدث أبو القاسم علي بن بلبان الناصري في رمضان‏.‏

وأبو بكر محمد بن إسماعيل بن عبد الله الانماطي في ذي الحجة‏.‏

والقدوة الشيخ محمد بن الحسن الإخميمي بقاسيون في جمادى الأولى‏.‏

والشيخ الزاهد شرف الدين محمد ابن الشيخ عثمان الرومي‏.‏

والإمام الرشيد سعيد بن علي الحنفي في رمضان‏.‏

والعلامة رضي الدين محمد بن علي بن يوسف الشاطبي اللغوي بمصر وله نيف وثمانون سنة‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم لم يحرر‏.‏

مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا وعشرون إصبعًا‏.‏

السنة الثامنة من سلطنة المنصور قلاوون وهي سنة خمس وثمانين وستمائة‏.‏

فيها استولى الملك المنصور قلاوون على الكرك وانتزعها من يد الملك المسعود خضر ابن الملك وفيها توفي الشيخ معين الدين أبو عمرو عثمان بن سعيد بن عبد الرحمن بن أحمد بن تولوا الفهري مولده بتنيس سنة خمس وستمائة ومات بمصر في شهر ربيع الأول ودفن بالقرافة الصغرى وسمع الحديث وتفقه وكان له معرفة بالأدب وله يد طولى في النظم وشعره في غاية الجودة‏.‏

ومن شعره وقد أمر قاضي مصر بقطع أرزاق الشعراء من الصدقات سوى أبي الحسين الجزار فقال‏:‏ السريع تقدم القاضي لنوابه بقطع رزق البر والفاجر ووفر الجزار من بينهم فاعجب للطف التيس بالجازر وفيها توفي الشيخ شهاب الدين أبو عبد الله محمد بن عبد المنعم بن محمد الأنصاري الصوفي الفقيه الشافعي الشاعر المشهور المعروف بابن الخيمي كان إمام عصره في الأدب ونظم الشعر مع مشاركة في كثير من العلوم‏.‏

ومولده سنة اثنتين وستمائة وتوفي بمشهد الحسين بالقاهرة في شهر رجب وقد أوضحنا أمره مع نجم الدين بن إسرائيل لما تداعيا القصيدة التي أولها‏:‏ البسيط يا مطلبًا ليس لي في غيره أرب إليك آل التقصي وانتهى الطلب في تاريخنا المنهل الصافي والمستوفى بعد الوافي وذكرنا أمرهما لما أمرهما ابن الفارض بنظم قصيدتين في الروي والقافية وذكرنا القصيدتين أيضا بكمالهما ثم حكم ابن الفارض بالقصيدة لشهاب الدين هذا‏.‏

والقصيدة التي نظمها شهاب الدين ابن الخيمي هذا لما أمره ابن الفارض بالنظم أولها‏:‏ البسيط لله قوم بجرعاء الحمى غيب جنوا علي ولما أن جنوا عتبوا والتي نظمها ابن إسرائيل‏:‏ البسيط لم يقض من حبكم بعض الذي يجب قلب متى ما جرى تذكاركم يجب الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي المسند أبو العباس أحمد بن شيبان الصالحي في صفر وقد قارب التسعين‏.‏

والعلامة جمال الدين محمد بن أحمد بن محمد البكري‏.‏

والشهاب محمد بن عبد المنعم بن محمد الأنصاري ابن الخيمي الشاعر في رجب وله ثلاث وثمانون سنة‏.‏

والشيخ عبد الرحيم بن محمد بن أحمد بن فارس العلثي بن الزجاج في المحرم‏.‏

وأمة الحق شامية ابنة صدر الدين الحسن بن محمد بن محمد البكري في رمضان‏.‏

والإمام صفي الدين خليل بن أبي بكر بن محمد المراغي في ذي القعدة‏.‏

وقاضي القضاة بهاء الدين يوسف ابن القاضي محيي الدين بن الزكي في ذي الحجة وله ست وأربعون سنة‏.‏

والمقرئ برهان الدين إبراهيم بن إسحاق بن المظفر الوزيري في ذي الحجة قافلًا من الحج‏.‏

وخطيب كفربطنا جمال الدين محمد بن عمر الدينوري في رجب وله اثنتان وسبعون سنة‏.‏

والمقرئ الشيخ حسن بن عبد الله بن ويحيان الراشدي في صفر‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أربع أذرع وقيل خمس وست أصابع‏.‏

مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا وأربع أصابع‏.‏

السنة التاسعة من سلطنة المنصور قلاوون وهي سنة ست وثمانين وستمائة‏.‏

فيها توفي الشيخ الإمام العارف بالله تعالى قطب زمانه شهاب الدين أبو العباس أحمد بن عمر بن محمد المرسي الأنصاري الإسكندري المالكي الصالح المشهورة كان علامة زمانه في العلوم الإسلامية وله القدم الراسخة في علم التحقيق وله الكرامات الباهرة وكان يقول‏:‏ شاركنا الفقهاء فيما هم فيه ولم يشاركونا فيما نحن فيه‏.‏

وقال الشيخ أبو الحسن الشاذلي‏:‏ أبو العباس بطرق السماء أعلم منه بطرق الأرض‏.‏

انتهى‏.‏

قلت‏:‏ وكان لديه فضيلة ومشاركة وله كرامات وأحوال مشهورة عنه وللناس فيه اعتماد كبير لاسيما أهل الإسكندرية وقد شاع ذكره وبعد صيته بالصلاح والزهد وكان من جملة الشهود وفيها توفي الشيخ شرف الدين أبو الربيع سليمان بن بليمان بن أبي الجيش ابن عبد الجبار بن بليمان الهمذاني الأصل الرعباني المولد الإربلي المنشأ الشاعر المشهور صاحب النوادر كان من شعراء الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن محمد صاحب الشام وكان أبوه صائغًا وتعانى هو أيضًا الصياغة قيل إنه جاء إليه مملوك مليح من مماليك الملك الأشرف موسى وقال له‏:‏ عندك خاتم لإصبعي فقال له‏:‏ لا إنما عندي إصبع مليح لخاتمك‏.‏

ومات بدمشق في ليلة عاشر صفر‏.‏

ومن شعره‏:‏ الطويل وما زالت الركبان تخبر عنكم أحاديث كالمسك الذكي بلا مين إلى أن تلاقينا فكان الذي وعت من القول أذني دون ما أبصرت عيني ولما قامر التلعفري بثيابه وأخفافه قال فيه شرف الدين هذا قصيدة وأنشدها للملك الناصر بحضرة التلعفري‏.‏

فلما فرغ من إنشادها قال له التلعفري‏:‏ ما أنا جندي حتى أقامر بأخفافي‏.‏

فقال له شرف الدين‏:‏ بخفاف امرأتك‏.‏

فقال‏:‏ ما لي امرأة فقال له‏:‏ لك مقامرة من بين الحجرين إما بالخفاف أو بالنعال‏.‏

انتهى‏.‏

قلت‏:‏ وأنا مسامح التلعفري على القمار لحسن ما قاله من رائق الأشعار‏:‏ الطويل فمن كان ذا عذر قبلت اعتذاره ومن لا له عذر فعندي له غذر وفيها توفي الشيخ الإمام المحدث قطب الدين أبو بكر محمد بن أحمد بن علي بن محمد بن الحسن بن أحمد بن عبد الله بن ميمون القيسي الشاطبي المحدث الإمام العلامة كان شيخ الكاملية بالقاهرة وهو المعروف بابن القسطلاني التوزري الأصل المصري المولد المكي المنشأ الشافعي المذهب مولده سنة أربع عشرة وستمائة ومات يوم السبت ثامن عشر المحرم ودفن بالقرافة الصغرى وكان مجموع الفضائل رحمه الله‏.‏

الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي الإمام النحوي بدر الدين محمد ابن الشيخ جمال الدين بن مالك في المحرم‏.‏

والإمام قطب الدين أبو بكر محمد بن أحمد بن علي القسطلاني بالقاهرة في المحرم‏.‏

وقاضي القضاة برهان الدين الخضر بن الحسن بن علي السنجاري بمصر في صفر‏.‏

والحكيم عماد الدين محمد بن عباس الربعي الدنيسري وله إحدى وثمانون سنة‏.‏

وشرف الدين سليمان بن بليمان الإربلي الشاعر‏.‏

والمحدث وجيه الدين عبد الرحمن بن حسن السبتي في جمادى الأولى‏.‏

والمسند عز الدين أبو العز عبد العزيز بن عبد المنعم بن الصيقل الحراني في شهر رجب‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أربع أذرع وأصابع‏.‏

مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا وعشر أصابع‏.‏

وهي سنة سبع وثمانين وستمائة‏.‏

فيها توفي الشيخ المعتقد الصالح برهان الدين أبو إسحاق إبراهيم بن معضاد بن شداد الجعبري الأصل والمولد المصري الدار والوفاة الصالح المشهور نشأ بجعبر ثم انتقل إلى الديار المصرية واستوطنها ولزم مسجده وكان يعظ به ويجتمع عنده خلق كثير ولأصحابه فيه عقيمة حسنة وله مقالات كثيرة وكان زاهدًا عابدًا سمع الحديث وروى عن السخاوي وغيره وكان غزير الفضيلة حلو العبارة‏.‏

قال الصلاح الصفدي‏:‏ أخبرني الشيخ الإمام العلامة أثير الدين أبو حيان من لفظه قال‏:‏ رأيت المذكور بالقاهرة وحضرت مجلسه أنا والشيخ نجم الدين بن مكي وجرت لنا معه حكاية وكان يجلس للعوام يذكرهم ولهم فيه اعتقاد وكان يدري شيئًا من الحديث وله مشاركة في أشياء من العلوم وفي الطب وله شعر جيد‏.‏

وأنشد له قصيدة أذكر منها القليل‏:‏ الكامل عشقوا الجمال مجردًا بمجرد الر - - وح الزكية عشق من زكاها متجردين عن الطباع ولؤمها متلبسين عفافها وتقاها انتهى كلام الصفدي‏.‏

وقال القطب اليونيني‏:‏ وأظنه نيف على الثمانين من العمر ولما مرض مرض الموت أمر أن يخرج به إلى مكان مدفنه فلما رآه قال له‏:‏ قبير جاك دبير‏.‏

ومات بعد ذلك بيوم في يوم السبت رابع عشرين المحرم بالقاهرة ودفن من يومه بالحسينية خارج باب النصر وقبره معروف هناك يقصد للزيارة‏.‏

قلت‏:‏ ويعجبني في هذا المعنى المقالة السابعة الزهدية من مقالات الشيخ العارف الرباني شرف الدين عبد المؤمن بن هبة الله الأصفهاني المعروف بشوروة من كتابه أطباق الذهب وهي‏:‏ طوبى للتقي الخامل الذي سلم عن إشارة الأنامل وتعسًا لمن قعد في الصوامع ليعرف بالأصابع خزائن الأمناء مكتومة وكنوز الأولياء مختومة والكامل كامن يتضاءل والناقص قصير يتطاول والعاقل قبعة والجاهل طلعة فاقبع قبوع الحيات واكمن في الظلمات كمون ماء الحياة وصن كنزك في التراب وسيفك في القراب وعف آثارك بالذيل المسحوب واستر رواءك بسفعة الشحوب فالنباهة فتنة والوجاهة محنة فكن كنزا مستورًا ولا تكن سيفًا مشهورًا إن الظالم جدير أن يقبر ولا يحشر والبالي خليق أن يطوى ولا ينشر ولو عرف الجذل صولة النجار وعضة المنشار لما تطاول شبرًا ولا تخايل كبرًا وسيقول البلبل المعتقل‏:‏ يا ليتني كنت غرابا ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابًا‏.‏

انتهى‏.‏

وفيها توفي الشيخ ناصر الدين أبو محمد حسن بن شاور بن طرخان الكناني ويعرف بابن الفقيسي وبابن النقيب الشاعر المشهور كان من الفضلاء الأدباء ومات ليلة الأحد منتصف شهر ربيع الأول ودفن بسفح المقطم وله تسع وسبعون سنة وكان بينه وبين العلامة شهاب الدين محمود الحلبي صحبة ومجالسة ومذاكرة في القريض‏.‏

ومن شعره‏:‏ الطويل نهيناه عن فعل القبيح فما انتهى ولا رده ردع وعاد وعادى وقلنا له رز بالصلاح فقلما رأينا فتى عانى الفساد فسادا وله‏:‏ الطويل وجردت مع فقري وشيخوختي التي تراها فنومي عن جفوني مشرد فلا يدعي غيري مقامي فإنني أنا ذلك الشيخ الفقير المجرد وله‏:‏ مخلع البسيط حدثت عن ثغره المحلى فمل إلى خده المورد خد وثغر فجل رب بمبدع الحسن قد تفرد وله‏:‏ الكامل يا من أدار سلافة من ريقه وحبابها الثغر الشنيب الأشنب تفاح خدك بالعذار ممسك لكنه بدم القلوب مخضب أنا العذري فاعذرني وسامح وجر علي بالإحسان ذيلا ولما صرت كالمجنون عشقا كتمت زيارتي وأتيت ليلا وفيها توفي الملك الصالح علي ابن السلطان الملك المنصور قلاوون كان والده المنصور قلاوون قد جعله ولي عهده وسلطنه في حياته حسب ما تقدم ذكره في سنة تسع وسبعين وستمائة فدام في ولاية العهد إلى هذه السنة‏:‏ مرض ومات بعد أيام في رابع شعبان بقلعة الجبل ووجد عليه أبوه الملك المنصور قلاوون كثيرًا فإنه كان نجيبًا عاقلًا خليقًا للملك‏.‏

وفيها توفي الشيخ الطبيب علاء الدين علي بن أبي الحرم القرشي الدمشقي المعروف بابن النفيس الحكيم الفاضل العلامة في فنه لم يكن في عصره من يضاهيه في الطب والعلاج والعلم اشتغل على المهذب الدخوار حتى برع وانتهت إليه رياسة فنه في زمانه وهو صاحب التصانيف المفيدة منها‏:‏ الشامل في الطب والمهذب في الكحل والموجز وشرح القانون لابن سينا‏.‏

ومات في ذي القعدة بعد أن أوقف داره وأملاكه وجميع ما يتعلق به على البيمارستان المنصوري بالقاهرة‏.‏

الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي الشيخ إبراهيم بن معضاد الجعبري بالقاهرة في المحرم عن نيف وثمانين سنة‏.‏

والإمام أبو العباس أحمد بن أحمد بن عبد الله المقدسي الفرضي‏.‏

وخطيب القدس قطب الدين أبو الزكاء عبد المنعم بن يحيى الزهري في رمضان‏.‏

والجمال أحمد بن أبي بكر بن سليمان الحموي‏.‏

والشيخ الإمام أبو إسحاق إبراهيم بن عبد العزيز اللوري شيخ المالكية في صفر‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم خمس أذرع وأربع أصابع‏.‏

مبلغ الزيادة ثماني عشرة ذراعًا وأربع أصابع‏.‏

السنة الحادية عشرة من سلطنة المنصور قلاوون وهي سنة ثمان وثمانين وستمائة‏.‏

فيها فتحت طرابلس وما أضيف إليها بعد أمور ووقائع حسب ما ذكرناه في أصل هذه الترجمة مفصلًا‏.‏

وفيها توفي الشيخ علم الدين أحمد ابن الصاحب صفي الدين يوسف بن عبد الله بن شكر المعروف بابن الصاحب كان نادرة زمانه في المجون والهزل وإنشاد الأشعار والبليقات وكان بقي في آخر عمره فقيرًا مجردًا وكان اشتغل في صباه وحصل ودرس وكان لديه فضيلة وذكاء وحسن تصور إلا أنه تمفقر في آخر عمره وأطلق طباعه على التكدي وصار يجارد الرؤساء ويركب في قفص حمال ويتضارب الحمالون على حمله لأنه كان مهما فتح له من الرؤساء كان للذي يحمله فكان يستمر راكبًا في القفص والحمال يمهر به في أماكن الفرج والنزه وكان يتعمم بشرطوط طويل جدًا رقيق العرض ويعاشر الحرافيش وكان له أولاد رؤساء ويقال‏:‏ إن الصاحب بهاء الدين بن حنا هو الذي أحوجه إلى أن ظهر بذلك المظهر وأخمله وجننه لكونه كان من بيت وزارة فكان ابن الصاحب هذا إذا رأى الصاحب بهاء الدين بن حنا ينشد‏:‏ المجتث اشرب كل وتهنا لا بد أن تتعنى محمد وعلي من أين لك يا ابن حنا قال الشيخ صلاح الدين الصفدي‏:‏ أخبرني من لفظه الحافظ نجم الدين أبو محمد الحسن خطيب صفد قال‏:‏ رأيته يعني ابن الصاحب أشقر أزرق العينين عليه قميص أزرق وبيده عكاز حديد‏.‏

قال‏:‏ وأخبرني من لفظه الحافظ فتح الدين ابن سيد الناس قال‏:‏ كان ابن الصاحب يعاشر الفارس أقطاي فاتفق أنهم كانوا يومًا على ظهر النيل في شختور وكان الملك الظاهر بيبرس مع الفارس أقطاي وجرى بينهم أمر ثم ضرب الدهر ضربانه حتى تسلطن الملك الظاهر بيبرس وركب يومًا إلى الميدان ولم يكن عمر قنطرة السباع وكان التوجه إلى الميدان من على باب زويلة على باب الخرق وكان ابن الصاحب هذا نائمًا على قفص صيرفي من تلك الصيارف برا باب زويلة ولم يكن أحد يتعرض لابن الصاحب فمر به الملك الظاهر فلم يشعر إلا و ابن الصاحب يضرب بمفتاح في يده على خشب الصيرفي قوتًا فالتفت الظاهر فرآه فقال‏:‏ هاه علم الدين فقال‏:‏ إيش علم الدين أنا جيعان فقال‏:‏ أعطوه ثلاثة آلاف درهم‏.‏

وكان ابن الصاحب أشار بتلك الدقة إلى دقة مثلها يوم المركب‏.‏

انتهى‏.‏

قلت‏:‏ ومن نوادره اللطيفة أنه كان بالقاهرة إنسان يجرد الناس فسموه زحل فلما كان في بعض الأيام وقف ابن الصاحب على دكان حلوى يزن دراهم يشتري بها حلوى وإذا بزحل قد أقبل من بعيد فقال ابن الصاحب للحلاوي‏:‏ أعطني الدراهم ما بقي لي حاجة بالحلوى فقال‏:‏ لم قال‏:‏ أما ترى زحل قارن المشتري في الميزان وله من هذا أشياء كثيرة ذكرنا منها نبذة في ترجمته في تاريخنا المنهل الصافي‏.‏

ومن شعره‏:‏ مخلع البسيط يا نفس ميلي إلى التصابي فاللهو منه الفتى يعيش ولا تملي من سكر يوم إن أعوز الخمر فالحشيش وله في المعنى‏:‏ الخفيف في خمار الحشيش معنى مرامي يا أهيل العقول والأفهام حرموها من غير عقل ونقل وحرام تحريم غير الحرام وخضراء ما الحمراء تفعل فعلها لها وثبات في الحشى وثبات تؤجج نارًا في الحشى وهي جنة وتروي مرير الطعم وهي نبات وفيها توفي الشيخ الأديب البارع المفتن شمس الدين محمد ابن عفيف الدين سليمان بن علي التلمساني الشاعر المشهور كان شابًا فاضلًا ظريفًا وشعره في غاية الحسن والجودة‏.‏

وديوان شعره مشهور بأيدي الناس ومن شعره‏:‏ مخلع البسيط يا ساكنًا قلبي المعنى وليس فيه سواك ثاني لأي معنى كسرت قلبي وما التقى فيه ساكنان وله في ذم الحشيش‏:‏ البسيط ما للحشيشة فضل عند آكلها لكنه غير مصروف إلى رشده صفراء في وجهه خضراء في فمه حمراء في عينه سوداء في كبده وله أيضًا‏:‏ الكامل لي من هواك بعيده وقريبه ولك الجمال بديعه وغريبه يا من أعيذ جماله بجلاله حذرًا عليه من العيون تصيبه إن لم تكن عيني فإنك نورها أو لم تكن قلبي فأنت حبيبه ألف القصائد في هواك تغزلًا حتى كأن بك النسيب نسيبه لم تبق لي سرًا أقول تذيعه عني ولا قلب أقول تذيبه كم ليلة قضيتها متسهدًا والدمع يجرح مقلتي مسكوبه والنجم أقرب من لقاك مناله عندي وأبعد من رضاك مغيبه والجو قد رقت علي شماله وجفونه وشماله وجنوبه هي مقلة سهم الفراق يصيبها ويسح وابل دمعها فيصوبه وجوى تضرم جمره لولا ندى قاضي القضاة قضى علي لهيبه وله‏:‏ السريع أخجلت بالثغر ثنايا الأقاح يا طرة الليل ووجه الصباح وأعجمت أعينك السحر مذ أعربت منهن صفاحًا فصاح فيا لها سودًا مراضًا غدت تسل للعاشق بيضًا صحاح يا للهوى من مسعد مغرمًا رأى حمام الأيك غنى فناح الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي كمال الدين أحمد ابن يوسف بن نصر الفاضلي‏.‏

والمفتي فخر الدين عبد الرحمن بن يوسف البعلبكي الحنبلي في رجب‏.‏

ورئيس الشهود زين الدين المهذب ابن أبي الغنائم التنوخي‏.‏

والعلامة شمس الدين الأصبهاني الأصولي محمد بن محمود بالقاهرة في رجب‏.‏

والمقرئ تقي الدين‏.‏

يعقوب بن بدران الجرائدي بالقاهرة في شعبان‏.‏

والمسندة العابدة زينب بنت مكي في شوال ولها أربع وتسعون سنة‏.‏

والعماد أحمد ابن الشيخ العماد إبراهيم بن عبد الواحد المقدسي‏.‏

والإمام شمس الدين أبو عبد الله محمد ابن الكمال عبد الرحيم بن عبد الواحد المقدسي في جمادى الأولى‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أربع أذرع وعشر أصابع‏.‏

مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا وعشر أصابع‏.‏